(وضعت ضفدعة في إناء ماء ساخن جدًا، وعندما وضعت في الماء قفزت إلى الخارج فورًا؛ لأنها شعرت بالتغيير المفاجئ، فأحضروا قليلًا من الماء الساخن ووضعوا فيه تلك الضفدعة وأغلقوا الإناء الزجاجي الذي وضعوها فيه، فحاولت أن تقفز مرة أخرى، ولكنها لم تستطع الخروج؛ لأن الإناء مغلق بإحكام.
حاولت مرة عدة، ولكنها فشلت، فاستقرت في الماء، فزادوا كمية الماء، ثم وضعوا الماء على نار هادئة، فبدأت درجة حرارة الماء ترتفع تدريجيًا، وأخذت الضفدعة تتعود على درجة الحرارة، فرفعوا درجة الحرارة وتعودت الضفدعة على هذه الحرارة مرة أخرى، وظلوا يزيدون من درجة الحرارة ولكن الضفدعة خرجت من الماء مسلوقة ومهترأة) [أيقظ قدراتك واصنع مستقبلك، د.إبراهيم الفقي، ص(35)].
وهكذا كثير من الفتيات قد اعتادن على مجموعة من السلوكيات التي تضرهن ولكن لم يبذلن مجهودًا لتغييرها، ولربما تأتي هذه السلوكيات فتقضي عليهن، وهذا ما نسميه بالعادة.
فالعادة هي سلوك متكرر يصدر من الشخص بصورة لا إرادية؛ نتيجة قناعة ترسخت في عقله الباطن عبر السنين.
خطورة العادات:
وتنبع خطورة العادات من أنها تتحكم تمامًا في سلوكيات الإنسان، وبالتالي تتدخل في كل لحظة من لحظات حياته، فالإنسان في الحقيقة ما هو إلا مجموعة من العادات، كما تقول الحكمة القديمة: (اغرس فكرة احصد فعلًا، اغرس فعلًا احصد عادة، اغرس عادة احصد شخصية، اغرس شخصية احصد مصيرًا) [العادات السبع لأكثر الناس فاعلية، ستيفين كوفي، ص(63)].
فالعادات في النهاية هي التي تحدد مصير الإنسان ـ بإرادة الله تعالى ـ في الحياة سواءً أكان النجاح أم الفشل.
مثال: إنسان لديه عادة التسويف والكسل، كيف تكونت لديه هذه العادة؟
1ـ شبَّ منذ صغره فرأى أباه أو أمه يكسلان عن واجباتهما، ويُسوِّفان أعمالهما (فكرة).
2ـ بدأ يمارس نفس هذه الأفعال التي رآها من والديه (فعل).
3ـ بتكرار الفعل ومع مرور السنين تكوَّن لديه سلوك الكسل (عادة).
ما رأيكِ في فتاة عندها عادة التسويف والكسل، وإيثار الدعة والراحة على العمل الجاد الدءوب، فكيف سيكون ذلك مؤثرًا على حياتها؟ لاشك أنه سيحصد شخصية كسولة تقودها إلى مصير الفشل الذريع.
وعلى العكس من ذلك فتاة لديها عادة الجدية والالتزام، ومع الممارسة لأفعال الجدية وحب النشاط والعمل، ترسخت في نفسها تلك العادة، فحصدت شخصية جادة نشيطة منضبطة، لابد أن تقودها في النهاية إلى مصير النجاح بعون الله تعالى.
هل من الممكن تغيير العادات؟
عندما انطلقت السفينة (أبوللو 2) في رحلتها إلى القمر، تجمَّد المشاهدون على شاشات التلفاز وفي محطة الإطلاق في أماكنهم،حينما رأوا أول إنسان يمشي على القمر ثم يعود إلى الأرض، ومن أجل الوصول إلى هناك كان على رواد الفضاء في تلك السفينة أن يتخلصوا من أكبر عائق في طريق الوصول، ألا وهو قوة الجاذبية الأرضية.
ومن أجل ذلك؛ تم تحميل تلك السفينة على صاروخ فضائي ذي مراحل مختلفة، استخدم هذا الصاروخ في المرحلة الأولى للإطلاق كمًّا هائلًا من الطاقة في الدقائق الأولى من الإطلاق خلال الأميال الأولى القليلة من الرحلة، يزيد عما استخدم في غضون الأيام التالية لقطع مسافة حوالي نصف مليون ميل، وذلك للتخلص من أسر الجاذبية الأرضية.
وعادات الإنسان أيضًا لها قوة جذب هائلة؛ لأن القناعات التي نتجت عنها قد استقرت في أعماق العقل الباطن عبر السنين، ولكن مع ذلك يمكن تغييرها بالجهد والمتابعة، ومع أن ذلك يستغرق جهدًا جبارًا في أول الأمر، لكننا بعد ذلك يخف الأمر علينا بعد أن نشعر بالتخلص من أسر هذه العادات، وما لها من آثار سلبية على حياتنا.
والرائع في الأمر أننا عندما نستبدل عادات الفشل بعادات النجاح، فإن عادات النجاح أيضًا تكون لها نفس تلك الجاذبية القوية، بمعنى أننا لن نستطيع التخلي عنها بسهولة، مما يحتم علينا أن ننجح ولو رغمًا عنَّا، فالعادات إذًا لها قوة جذب هائلة وبإمكانك أن تُسخِّر تلك القوة لتعمل لصالحك، أو تُسخِّرك هي لنفسها لتعمل ضد نفسك، فالعادات يمكن تغييرها جزمًا، وهذا مقتضى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: ١١].
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: (لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسنوا أخلاقكم)، وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك، والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (2/255)].
السبيل لتغيير عادات الفشل:
أولًا ـ الرياضة:
ولا نعني هنا ممارسة الرياضة البدنية من كرة وألعاب قوى وغير ذلك، وإنما الرياضة هو المصطلح الذي أطلقه علماء التربية المسلمون على الممارسات التربوية التي يمكن من خلالها تغيير الأخلاق والعادات السيئة، واستبدالها بأخرى حسنة.
ويشرح لنا الغزالي رحمه الله تعالى معنى الرياضة، فيقول: (وهي حمل النفس على الأعمال الجالبة للخلق المطلوب، فمن أراد تحصيل خلق الجود فليتكلف فعل الجواد من البذل؛ ليصير ذلك طبعًا له، وكذلك من أراد التواضع تكلف أفعال المتواضعين، وكذلك جميع الأخلاق المحمودة، فإن للعادة أثرًا في ذلك، كما أن من أراد أن يكون كاتبًا تعاطى فعل الكتابة، أو فقيهًا تعاطى فعل الفقهاء من التكرار حتى تنعطف على قلبه صفة الفقه، إلا أنه لا ينبغي أن يطلب تأثير ذلك في يومين أو ثلاثة، وإنما يؤثر مع الدوام، كما لا يطلب في النحو علو القامة في يومين أو ثلاثة، فللدوام أثر عظيم) [مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة، (3/10)].
بهذا النص التربوي الثمين يقرر لك الإمام الغزالي رحمه الله القاعدة الذهبية في تحويل العادات السلبية إلى أخرى إيجابية، وهي قاعدة وضعها من قبله سيد المربين محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال: (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه)[رواه الطبراني، (2766)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، (2328)].
فطريق التخلص من عادات الفشل، واستبدالها بعادات النجاح؛ إنما يكون بتكلف عادات النجاح وأفعالها وسلوكياتها لفترة طويلة، تبذل فيها طالبة النهوض جهدًا كبيرًا حتى تصير عادات النجاح لها طبعًا متأصلًا فيها، بحيث تصدر عنها سلوكيات الناجحين بلا تكلف ولا حر.
وتبعًا لذلك فإن العامل الحاسم في تغيير العادات هو مدى صبر الفتاة على مقاومة جذب العادات القديمة لها، وتحمُّل الضغط الناشئ من تكلف العادات الجديدة.
ثانيًا مولد السلوك الإيجابي:
وهي تقنية رائعة وفعالة من تقنيات البرمجة اللغوية العصبية تساعد على برمجة العقل الباطن وفق العادات الإيجابية، من خلال ما يلي:
(1ـ اختاري مكانًا هادئًا ومريحًا بحيث لا يزعجكِ أي أحد على الإطلاق لمدة 30 دقيقة على الأقل.
2ـ فكِّري في سلوك أو عادة إيجابية ليست عندك، ولكنكِ تتمني أن يكون لديكِ، مثل هذا السلوك مثل الجرأة أو الثقة بالنفس... إلخ.
3ـ تنفسي بانتظام وفكِّري في أحد الأشخاص الذين يحوزون إعجابكِ ممن تعتقدي أن لديه هذا السلوك، وإذا لم يكن في ذهنكِ شخص بعينه تخيلي أحد الأشخاص.
4ـ أغمضي عينيك وتخيَّلي أن أمامك حاجزًا شفافًا يمكنك الرؤية من خلاله.
5ـ تخيَّلي أنكِ تري الشخص الذي في ذهنك من خلال هذا الحاجز الشفاف، وقومي بملاحظة ما يفعله، وكيف يتكلم، وكيف يتنفس، ولاحظي أيضًا تعبيرات وجهه وتحركات جسمه، وهو يمارس ذلك السلوك الإيجابي الذي تودين اكتسابه.
6ـ تخيَّلي أن جزءًا منكِ يسبح في الهواء متخطيًا الحاجز الشفاف، ليقف بجانب ذلك الشخص حتى يتعلم الطريقة التي يتصرف بها.
7ـ تخيَّلي الجزء السابح منكِ يحل محل الشخص الذي تعتبرينه نموذجًا، وأن هذا الجزء أصبح يمتلك كل ما تحتاجينه للسلوك الجديد، لدرجة أن تشعري أنكِ مقتنعة به تمامًا.
8 ـ تخيَّلي أن الجزء السابح منكِ يعود لكِ متخطيًا الحاجز الشفاف، ويندمج مرة أخرى في جسمكِ، قومي بملء إحساسك بهذا الاندماج، أنتِ الآن تملكي السلوك الذي تتمنينه.
9ـ تخيَّلي نفسكِ في المستقبل وأنتِ في أحد المواقف التي كان من الممكن في الماضي أن تحدِّ من تصـرفاتك، ولاحظي كيف ستتصـرفي وفقًا للمعلومات التي اكتسبتِها، والسلوك الجديد الذي هو لديكِ الآن.
10ـ عندما تكوني راضية تمامًا عن السلوك الجديد الذي اكتسبتيه، ارجعي للحاضر ببطء وافتحي عينيك.
11ـ كرِّري هذا التمرين كل يوم لمرة واحدة، وستندهشي من حجم التغيير الذي سيحدث في عاداتك بعد شهر واحد) [قوة التحكم بالذات، د.إبراهيم الفقي، ص(115-117)، بتصرف].
ماذا بعد الكلام؟
1ـ حدِّدي عادة سلبية تريدي التخلص منها، وتري أنها من عادات الفشل.
2ـ دوِّني خمس نتائج سلبية في حياتكِ تسببت فيها تلك العادة لكِ.
3ـ دوِّني خمس نتائج إيجابية للعادة المقابلة لها من عادات النجاح.
4ـ حدِّدي يوميًا سلوكًا عمليًّا للعادة الإيجابية، وقومي بتنفيذه ولو مرة واحدة في اليوم.
5ـ كلما دعتكِ نفسكِ للتكاسل عن العادة الإيجابية، والميل للعادة السلبية اقرأي الورقة التي دوَّنتِ فيها النتائج الإيجابية والنتائج السلبية، وداومي على تلك الطريقة في إبدال عادات الفشل بعادات النجاح، وستري نتائج مبهرة إن شاء الله تعالى.
واعلمي جيدًا أيتها الفتاة (أنه لا يأس مع الحياة، فطالما كانت نفسية المؤمن شفافة وعلى درجة معقولة من التفاؤل والبعد عن التشاؤم فإنه سيطرد شبح اليأس وتزداد إرادته وعزيمته تجاه التمسك بالحياة الكريمة، وذلك يحمل بين ثناياه الهمة العالية كما يتمتع بالإباء وعزة النفس) [أنتِ وبناتك المراهقات، أميمة بنت محمد نور الجوهري، ص(171)]، فتحلي بالتفاؤل في تغيير عاداتك واستعيني بالله عز وجل.
المصادر:
• مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة.
• أنتِ وبناتك المراهقات، أميمة بنت محمد نور الجوهري.
• قوة التحكم بالذات، د.إبراهيم الفقي.
• أيقظ قدراتك واصنع مستقبلك، د.إبراهيم الفقي.
• العادات السبع لأكثر الناس فاعلية، ستيفين كوفي.
• إحياء علوم الدين، الغزالي.
• مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة.الكاتب: سحر محمد يسري
المصدر: موقع مفكرة الإسلام